بعد أن توجه مصرف سورية المركزي في الشهرين الأخيرين إلى اتخاذ عدة قرارات لتخفيض سعر صرف الليرة السورية في السوق السوداء واستقطاب المزيد من القطع الأجنبي إلى الأقنية الرسمية من خلال إصدار قرار باعتماد نشرة أسعار للصرافة والحوالات الخارجية لتكون متغيرة وتجاري السعر المتداول، والسماح لهذه الشركات بشراء القطع الأجنبي من المواطنين..
يتساءل البعض عن انعكاسات هذه القرارات وخاصة أنها لم تؤد إلى تخفيض سعر الصرف في السوق السوداء. بيّن الباحث الاقتصادي الدكتور “علي محمد”، أنه بالعرف التجاري يحتاج تقييم هذه الإجراءات دورة عمليات شهرية كاملة. تتراوح من ثلاثة إلى ستة أشهر، ولكن يستطيع مصرف سورية المركزي من خلال هذه الإجراءات النقدية أن يمتص كتلة القطع الأجنبي. التي كان غائباً عنها طيلة عشر السنوات الماضية. وبالتالي فإن هذه الإجراءات تعد جيدة مبدئياً ولكن يجب أن تترافق مع إجراءات مالية واستثمارية لتكون ناجحة فيما بعد. وأوضح رأيه بالقول: «إن هذه الإجراءات تعد استقطاباً للحوالات المصرفية وللقطع الأجنبي بالنسبة للأشخاص الذين يرغبون بالتصريف، وذلك يعني نقل جزء من الكاش الذي كان يستخدم للمضاربة في السوق السوداء إلى حسابه، ولكن من غير المعروف حجم القطع الذي تم استقطابه إلى الآن، أو حتى مدى استجابة المواطنين لتصريف الدولار بشركات الصرافة المعتمدة بعد مرور حوالي شهر ونصف الشهر على القرار»، متوقعاً أن يكون لسعر صرف الحوالات الذي لا يزال حتى الآن بمستويات عليا (7250 ليرة) أثر جيد خلال شهر رمضان الذي تتزايد فيه الحوالات بشكل كبير من جهة جذب الحوالات للأقنية الرسمية. وفي السياق، أشار محمد إلى أن السوق السوداء استطاعت الحفاظ على وضعها خلال الفترة الأخيرة، حيث بقي سعر الصرف ثابتاً منذ حوالي الشهر ونصف الشهر، وبالتالي فإن السوق السوداء لم تتأثر سلباً ولا إيجاباً بقرارات مصرف سورية المركزي الأخيرة، وبالتالي فإن هذه الإجراءات تعد مساعدة للمصرف المركزي لترميم الاحتياطي لديه من القطع الأجنبي ليستخدمه لاحقاً بتمويل المستوردات من دون أي تأثير على السوق السوداء.
وحول بعض الاقتراحات التي ظهرت مؤخراً بتسليم الحوالات الشخصية لأصحابها بالدولار لزيادة ضخ القطع الأجنبي بالأسواق وبالتالي استعادة قيمة الليرة السورية، بيّن محمد أن هذا الاقتراح تعمل به كل الدول تقريباً، وفي سورية تحديداً صدر بعام 2017 قرار يختص بتجزيء الحوالات الشخصية، لتسليمها بالليرة السورية إذا كانت تقل عن 500 دولار، وبالدولار في حال كانت تزيد على ذلك، ليتم تعديل القرار فيما بعد ويصبح المبلغ 5000 دولار بدلاً من 500، معتبراً أن هذا القرار اليوم يحتاج إلى دراسة من مصرف سورية المركزي الذي تتركز غايته بترميم الاحتياطي الذي وصل إلى أدنى حالاته، وبالتالي لن يسمح لأي دولار إلا أن يذهب للاحتياطي وألا يكون هناك أي عملية استبدال، إضافة إلى أن الحوالات الواردة ليست حوالات تستلمها أفرع الشركات في سورية بالدولار (Fresh money)، بل تبقى مقيدة في حسابات شركات الصرافة والبنوك بالخارج، ويعطى المستفيد بسورية من الكتلة المالية الموجودة لدى الشركة محلياً بالليرة السورية، متابعاً: «ولكن هل تمتلك شركات الصرافة قطعاً أجنبياً لتسليمه للأشخاص؟ لذا يعد تطبيق هذا الاقتراح بالوقت الراهن صعباً رغم أهميته التي تكمن في وجود تخوف بأن جميع الحوالات الواردة إلى سورية تسلم بالليرة السورية، أي إن جميع الكتلة النقدية من العملة السورية تضخ بالسوق وهذا يعد ازدياد عرض نقدي وله آثار اقتصادية غير حميدة».
وفي سياق متصل، أشار محمد إلى أن الحكومة يجب أن تتخذ بعض الإجراءات الإسعافية لرفع قيمة الليرة السورية، من خلال الاهتمام بالإنتاج المحلي الذي ثبت عالمياً أنه الأفضل بسبب ارتفاع فاتورة الاستيراد، لذا يجب إيلاء الأهمية للمناطق الصناعية ومنح التمويل للمواد ذات الأولوية التي تتأثر بشكل كبير بالإنتاج، لذا يجب أن تضع وزارة الاقتصاد قائمة بكل المواد المستوردة على مستوى سورية وأن تحدد أحجامها وتكاليف استيرادها، وبناء على ذلك يتم تحديد المواد ذات الأولوية لتمويلها بشكل دائم، واستبعاد المواد التي لا تحتاج إلى كتلة نقدية ضخمة، معتبراً أن هذا الأمر لا يمكن تطبيقه الآن بسبب وجود مواد إلى الآن يدفع سعرها عبر المنصة، مؤكداً حاجة الاقتصاد اليوم إلى قرارات سريعة التطبيق.
الوطن