الدين القومي الأمريكي:
لا شك ان الدين القومي الأمريكي أصبح يمثل مصدر قلق متزايد لملايين الأمريكيين يوماً بعد يوم. بل وتصدر عناوين العديد من الصحف المحلية والعالمية على حد سواء نظراً لما يمثله من عواقب وخيمة قد تنعكس على الوضع الاقتصادي والسياسي العالمي. لذا كان هدفنا الأول في هذه المقالة، مناقشة الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تزايد الدين الأمريكي للولايات المتحدة الأمريكية وتوضيح ما إذا كان هناك حد للدين القومي. وكذلك العواقب الاقتصادية والسياسية جراء فشل الحكومة عن سداد الدين. ونسعى ايضاً للكشف عن الفرق بين المواجهات المتعلقة بإغلاق سقف الدين، وماذا قد يعني الافتراض والإغلاق بالنسبة للاقتصاد الأمريكي.
تواجه الولايات المتحدة مؤخراً مشكلة تفاقم الديون القومية والتي قد تجاوزت 31 تريليون دولار منذ فترة ليست بالقصيرة، وهذه الديون التي تستمر في الارتفاع يوما بعد يوم، قد أصبحت محل جدال ساخن على الساحة العربية والعالمية. لذا دعونا نأخذ فكرة أولاً عن مشكلة الديون القومية، حيث يمكننا الإشارة إلى أن دين الولايات المتحدة القومي كان يبلغ 0.9 تريليون دولار في عام 1980، وبعد ثلاثين عامًا، ارتفع إلى 13 تريليون دولار. وخلال عشر سنوات فقط، وصل إلى 28 تريليون دولار. ويمكن تعزيز أسباب هذا الارتفاع المطرد بشكل مباشر إلى الإنفاق المبالغ فيه من قبل الحكومة كما سنوضح لاحقاً.
ويعود تاريخ زيادة حد الدين القومي في الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الأولى، عندما وافق الكونغرس لأول مرة على تفويض الخزانة لإصدار السندات لتمويل جهود الحرب. ولم يكن هناك سقف محدد لكم الديون التي يمكن أن تصدر، ولذلك بدأ الكونغرس في فرض حدود على سقف الديون التي يمكن أن تتم إصدارها في عام 1917. وقد تم رفع هذا الحد مرات عدة، وفي عام 1939، تم تحديد حد آخر دائم، والمعروف الآن باسم حد عجز الدين في الولايات المتحدة.
الأسباب الرئيسية لزيادة الدين القومي:
من أحد الأسباب الرئيسية لزيادة الدين القومي والذي يأتي على قائمة الأسباب هو الإنفاق الحكومي المتمثل في الضمان الاجتماعي. حيث ان الضمان الاجتماعي هو نظام يقوم بتوفير معاش تقاعد للمواطنين الأمريكيين. فمع تقدم السن، يتقاعد المزيد من الأشخاص يومياً ويعتمدون بشكل رئيسي على الضمان الاجتماعي كدخل ثابت لهم، مما يضع عبئًا كبيرًا على عاتق الحكومة.
ويأتي في المرتبة الثانية رغم أهميته وثقله على ميزانية الدولة، الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية. حيث تدير الحكومة العديد من برامج الرعاية الصحية، بما في ذلك Medicare وMedicaid. وتوفر هذه البرامج خدمات الرعاية الصحية لملايين الأمريكيين بشكل متكامل لكنها تساهم أيضًا في زيادة العبء على الدين القومي.
وثالثاً يأتي الإنفاق العسكري كمساهم رئيسي في زيادة الدين القومي. فالولايات المتحدة الأمريكية معروفة بأنها تملك أحد أكبر الموازنات العسكرية في العالم، وقد ازداد هذا الإنفاق بشكل كبير منذ 11 سبتمبر. نظراً للحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية بالعديد من الدول العربية تحت مزاعم محاربة الإرهاب مما زاد من تكلفة الحفاظ على قوة الجيوش بكافة الدول التي تنتشر بها قواعد عسكرية أمريكية. بما في ذلك الرواتب والمعدات والعمليات التي يتم صرفها بشكل دوري لاستمرار الغزو العسكري بالعديد من الدول العربية مما وضع عبئًا كبيرًا على موازنة الحكومة الفيدرالية.
ولا يمكن تجاهل حقيقة ان عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيق إيرادات تغطي هذا الانفاق والذي يعتبر ايضاً من أبرز الأسباب الرئيسية التي تجعل الديون القومية بهذا الحجم. مما أدى إلى تصاعد وتيرة العجز بشكل مطرد في الموازنة العامة للدولة والتي تراكمت على مدار السنوات في شكل ضخمة تعجز الحكومة عن سدادها بالكامل.
هل هناك حد للدين القومي؟
لا يمكن الجزم بوجود حد أو سقف محدد للدين القومي. حيث ان سقف الدين الذي تم تقديمه كمشروع قانون في عام 1939، وهو الحد الأقصى للدين الذي يمكن للحكومة الاتحادية استدانته قانونيًا قد قام الكونغرس برفعه أكثر من 100 مرة منذ تطبيقه، مما يشير إلى عدم وجود حد صارم للمبلغ الذي يمكن للحكومة استدانته. لذا فالحد الأقصى لعجز الدين، والذي يمثل عنصرًا حيويًا في مشكلة الديون القومية، تم وضعه لتحديد الحد الأقصى للديون التي يمكن للحكومة الفيدرالية الاقتراض بموجبها بشكل قانوني. وبمجرد الوصول إلى هذا الحد، يجب على الحكومة إما تقليل الإنفاق أو رفع حد عجز الدين لاقتراض المزيد من الأموال.
مواجهات إغلاق سقف الدين
تحدث مواجهات سقف الدين عندما تصل الحكومة الفيدرالية إلى الحد الأقصى للدين. أو عندما تقترب الحكومة من الحد الأقصى للدين، حيث يجب على الكونغرس التصويت لرفع سقف الدين لتجنب التعثر في السداد. وهذا قد يؤدي إلى مواجهة سياسية عنيفة حين تتفاوض الأحزاب على شروط زيادة سقف الدين. وتحدث الإغلاقات عندما يتعذر على الكونغرس والرئيس الاتفاق على مشروع قانون الإنفاق. حيث تتوقف الخدمات غير الأساسية في الحكومة حتى يتم التوصل إلى اتفاق على الإنفاق. وغالبًا ما يتسبب هذا الإغلاق في خلافات بشأن تمويل برامج أو مشاريع محددة.
عواقب عجز الحكومة عن سداد الدين
من أحد المخاوف الكبيرة التي قد تنشأ نتيجة تفاقم مشكلة الدين القومي هي احتمالية التعثر عن سداد الدين. والتي أصبحت وشيكة التوقع بمرور الوقت مع استمرار ارتفاع نسبة الدين بوتيرة متزايدة، حيث تتعرض الحكومة لمخاطر الوصول إلى حد العجز عن سداد الدين. مما يؤدي الى الدخول في نفق مظلم لما له من تداعيات خطيرة على الاقتصاد، سواء على المستوى المحلي أو العالمي على حد سواء.
وفي حالة عجز الولايات المتحدة عن سداد الدين، ستفقد صنف الائتمان الخاص بها، مما يعني أنه سيصعب عليها اقتراض المال لاحقاً في المستقبل. وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الفائدة، بالإضافة الى فقد مصداقية الولايات المتحدة على قدرتها لسداد ديونها مما ينعكس بدوره بانخفاض كبير في قيمة العملة المحلية بالأسواق المالية.
وعلاوة على ذلك، قد يؤدي العجز أيضًا إلى الضرر بالاقتصاد العالمي، حيث يعتبر الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية العالمية. مما يتسبب افتقار الولايات المتحدة القدرة على تسديد الدين القومي بسبب عدم اليقين والخوف من عدم قدرتها على الحفاظ على قيمة عملتها المحلية ومن ثم تحقيق الاستقرار المالي، وبالتالي يؤدي هذا إلى تزايد المخاوف بشأن ذبذبة استقرار النظام المالي العالمي نفسه.
وعلى الرغم من الخطر المتزايد لعجز الديون المحتمل، لم تتفق الحكومة الأمريكية بعد على كيفية التعامل مع هذه المشكلة المتزايدة. حيث يرجح البعض أن الحل هو التركيز على تخفيض الإنفاق، في حين يرجح البعض الآخر أن مفتاح حل تلك المشكلة هو توليد المزيد من الإيرادات عن طريق رفع الضرائب. وحتى الآن، لم تنجح أياً منهما في تقليل الدين القومي إلى مستوى يمكن من الاستدامة على المدى الطويل.
ما هو الفرق بين التعثر في السداد والإغلاق؟
يحدث التعثر في السداد عندما لا تتمكن الحكومة الفيدرالية من الالتزام بدفع ديونها. ويمكن أن يحدث هذا الاحتمال إذا فشل الكونغرس في رفع سقف الدين، أو إذا كانت الحكومة الفيدرالية غير قادرة على توليد الإيرادات الكافية لتلبية التزاماتها. مما يؤدي بدوره إلى عواقب وخيمة من أبرزها انخفاض قيمة الدولار الأمريكي بل ويمكن أن يؤدي إلى أزمة مالية عالمية.
وعلى الجانب الآخر، يتضمن الإغلاق إغلاقًا مؤقتًا للخدمات الحكومية غير الأساسية. وعلى الرغم من أن الإغلاق يمكن أن يكون مزعجًا، إلا أنه لا يحمل نفس العواقب الكارثية كالتعثر في السداد. ويعد من أبرز العواقب الناجمة عن الإغلاق هو فقدان الخدمات الحكومية غير الضرورية بشكل مؤقت، مثل المتنزهات الوطنية والمتاحف.
وفي الختام، يمثل الدين القومي الأمريكي مصدر قلق على كافة المستويات المحلية والعالمية – بداية من المسؤولين الحكوميين وصولاً إلى المواطن العادي. وقد أدى التراكم المستمر للديون إلى العجز في الموازنة العامة، مما أدى في النهاية إلى ارتفاع الدين بشكل هائل مع مرور الوقت. ومن ثم الحاجة إلى وضع سقف دين جديد للحد من هذه المشكلة، ولكن من ناحية أخرى هناك مخاوف من أن العجز المالي قد يزداد في الأيام القادمة إذا لم تتحرك الحكومة نحو حل مستدام. لذا فإن المخاطر المرتبطة بالتعثر في سداد الديون خطيرة بشكل مقلق، لذا يجب ان تقرع الحكومة ناقوس الخطر وأن تعمل بوتيرة سريعة نحو إيجاد حلول ممكنة في أسرع وقن ممكن.