في عصر مدفوع بالتطور التكنولوجي والتحول الرقمي، تتنافس الدول حول العالم لتأمين صناعات المستقبل داخل حدودها. فالهدف الأول والأخير هو جذب القطاعات الأساسية التي ستعزز جهود التصنيع المحلية وتعزز النمو الاقتصادي وتقلل الاعتماد على الكيانات الأجنبية، خاصة في الصناعات الاستراتيجية. وكنتيجة لهذا السباق نحو صناعات المستقبل أدى هذا إلى تخصيص مليارات الدولارات في الاستثمارات والحوافز.
مثال بارز على هذه الاستراتيجية يمكن أن نشاهده في حركة ألمانيا الأخيرة لتقديم حوالي 10 مليار يورو للعملاق التكنولوجي الأمريكي “إنتل”. الهدف من هذا الاستثمار الكبير هو إنشاء مصنع طراز حديث لإنتاج الشرائح الالكتورنية في ماغديبورغ. تمثل هذه المبادرة التزام ألمانيا بترسيخ مكانتها في صناعة الشرائح الالكترونية، حيث أصبحت هذه الشرائح لا غنى عنها في مجموعة متنوعة من التكنولوجيات الحديثة.
ليست ألمانيا وحدها من تسابق في هذا السعي. بل عدة دول في أوروبا، بما في ذلك إيطاليا وفرنسا، واللاتي تتنافسا بنشاط لجذب مصنعي الشراح الالكترونية. على سبيل المثال، أنشأت إيطاليا نظام دعم شامل يتضمن حوافز ضريبية ومنح للبحث والتطوير والتعاون مع المؤسسات الأكاديمية لجذب الشركات لإنشاء مصانع للشرائح الالكترونية ضمن حدودها. كما نجحت فرنسا في تعزيز جهودها لتصبح لاعبا رئيسيا في صناعة الشرائح النصفية، من خلال استثمارات كبيرة في مراكز البحث والتطوير وبرامج التدريب المتخصصة.
أما في الخارج، فقد زادت الولايات المتحدة من سعيها لاستعادة مكانتها كزعيم عالمي في إنتاج الشرائح الالكترونية . في السنوات الأخيرة، كما استثمرت الحكومة الأمريكية بشكل كبير في تصنيع الشرائح الالكترونية المحلية، إذ أدركت أهمية استراتيجية حاسمة لهذه الصناعة. تم تنفيذ برامج دعم وحوافز متنوعة لجذب شركات الشرائح الالكترونية وتشجيع إنشاء مرافق تصنيع جديدة داخل البلاد.
من ناحية أخرى، فقد كانت الصين لاعبًا رئيسيًا في صناعة الشرائح الالكترونية لبعض الوقت. وتهدف مبادرة “صنع في الصين 2025” الطموحة إلى دفع البلاد نحو مقدمة الصناعات العالية التكنولوجيا، بما في ذلك الشرائح الالكترونية . استثمارات كبيرة وجهود البحث والتطوير والدعم السخي سمحت للصين بتوسيع قدراتها في صناعة الشرائح الالكترونية بسرعة.
يبرز هذا السباق العالمي المكثف أهمية تصرفات الدول لتأمين موقع قوي في صناعة الشرائح الالكترونية . حيث أصبح السعي لجذب الصناعات المستقبلية أكثر من مجرد مسعى اقتصادي؛ إذ تطور إلى ضرورة استراتيجية للدول التي تسعى للحفاظ على السيادة التكنولوجية وتأمين مكانتها في العصر الرقمي.
ومع استمرار السعي العالمي لصناعة المستقبل، من المتوقع أن تستثمر الحكومات في جميع أنحاء العالم المزيد من المليارات في الحوافز والبنية التحتية وتطوير القوى العاملة المهرة لجذب الشركات المشاركة في إنتاج الشرائح الالكترونية والقطاعات الرائدة الأخرى. منا ستحدد نتائج هذه الجهود الابتكار التكنولوجي العالمي وتشكل اقتصادات الغد.
