هناك سؤالان صعبان يتداولهما الناس عند ارتفاع سعر الصرف في سوريا وهما: هل يمكن تعويم الدولار في سوريا وهل يفيد حذف الأصفار من العملة السورية؟ حسب رأي الباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب، تعتبر عمليتي تعويم الدولار وحذف الأصفار من العملة تجارب نادرا ما نجحت وبالنسبة لسوريا، قد تزيد هذه الإجراءات تدهور الوضع الاقتصادي وتسوءه بشكلٍ أكبر. عندما يرتفع سعر الصرف بشكل كبير، تزداد أسعار السلع والخدمات، وتثار التساؤلات حول سبب عدم تعويم الليرة وحذف الأصفار من العملة السورية، وتنشر وسائل التواصل الاجتماعي معلومات خاطئة ومغالطات تخص هذه القضية. لذا، فإن معرفة سعر الصرف ومعنى تعويم العملة وحذف الأصفار يساعد في التفهم الصحيح للموضوع. يتم تحديد سعر الصرف بناءً على نظام الصرف المعتمد في الدولة، ولا يوجد معيار محدد لعملية تحديد سعر الصرف بين الدول. ومن المعروف أن الدول الغنية تعتمد نظام صرف مرن بينما الدول الفقيرة تعتمد نظام صرف ثابت. كما يتأثر تبني نظام صرف العملة بالعوامل الخارجية وهيكلية الاقتصاد الوطني وتحديات اقتصادية أخرى. حيث أن هناك عدة أنظمة مختلفة لتحديد سعر الصرف وتتنوع بين النظام المرن والنظام الثابت وتعتمد على طبيعة الاقتصاد الخاص بكل دولة.
في نظام الصرف المرن، تلعب آلية السوق دورًا هامًا في تحديد سعر الصرف. هذا النظام ينقسم إلى قسمين رئيسيين. الأول هو نظام الصرف العائم حيث يتم تحديد سعر الصرف بناءً على العرض والطلب للعملة، بحيث يرتفع سعر العملة عند ارتفاع الطلب عليها. يعتبر هذا النظام الأكثر شيوعًا في الدول المتقدمة، على الرغم من عدم تطبيقه في جميع الدول المتقدمة.
أما القسم الثاني في النظام المرن فهو نظام الصرف الموجه أو المدار. في هذا النظام، يتم تحديد سعر الصرف وفقًا لعرض وطلب العملة، ولكن يُسمح بتقلب سعر الصرف ضمن حدود معينة. عندما يتجاوز سعر الصرف هذه الحدود، كما يتدخل المصرف المركزي كبائع أو مشترٍ للعملة لإعادة تحديد سعر الصرف وضمان استقرار الاقتصاد وتفادي التذبذب الكبير في قيمة العملة.
أما فيما يتعلق بنظام الصرف الثابت، فيتحكم المصرف المركزي بشكل كبير في تحديد سعر الصرف، بغض النظر عن عرض وطلب العملة. يتم ربط سعر الصرف الرسمي للعملة المحلية بعملة دولة أخرى. قد يتم الربط بالدولار الأميركي واليورو أو بسلة من العملات المحددة بناءً على اختيار الشركاء التجاريين، أو بحقوق السحب الخاصة وهي عملة حسابية صادرة عن صندوق النقد الدولي تشمل عملات الدول المساهمة في الصندوق.
ووفقًا للتقرير الاقتصادي العربي الموحد، تبلغ 13 دولة عربية تتبع نظام الصرف الثابت، بما في ذلك سوريا ولبنان والأردن. على سبيل المثال، تربط سوريا الليرة السورية بحقوق السحب الخاصة، بينما يربط لبنان سعر الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي. وتعتمد 6 دول عربية نظام الصرف الموجه، بما في ذلك مصر وتونس والجزائر. هناك دولة واحدة فقط في العالم العربي تتبع نظام الصرف العائم وهي اليمن.
ووفقًا لتقرير الاقتصاد العربي الموحد، هناك 13 دولة عربية تتبع نظام الصرف الثابت، وتشملها سوريا ولبنان والأردن. فيما يتعلق بسوريا، تُثبت الليرة السورية مقابل حقوق السحب الخاصة، بينما في لبنان يتم تثبيت سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي. هناك أيضًا 6 دول عربية تطبق نظام الصرف الموجه، مثل مصر وتونس والجزائر. أما اليمن، فهي الدولة العربية الوحيدة التي تتبع نظام الصرف العائم.
تعويم الليرة السورية أو تحريرها يعني تبني نظام الصرف المرن، حيث يحدد سعر الصرف بناءً على العرض والطلب، وأكد سيروب ذلك. ولكن لتنفيذ التعويم، هناك متطلبات تشمل وجود احتياطي نقدي كافٍ من العملات الأجنبية والذهب، بحيث يتمكن المصرف المركزي من التدخل كبائع للعملات الأجنبية عند حدوث تذبذب غير مقبول في سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك سوق للنقد الأجنبي ذات سيولة وكفاءة كافية تسمح باستجابة سعر الصرف لقوى السوق، وتعمل على تقليل موجات التذبذب المفرطة. يتألف سوق النقد الأجنبي من سوق لتداول العملة بالجملة بين الوسطاء المعتمدين مثل المصارف والمؤسسات المالية، وسوق للتداول بالتجزئة حيث تتم المعاملات بين الوسطاء المعتمدين والعملاء النهائيين مثل الأفراد والشركات.
في الوقت الحالي، تواجه سوريا صعوبات اقتصادية نتيجة للطلب العالي جدًا على الدولار الأميركي ونقص الاحتياطيات بسبب ضعف الصادرات والقطاع السياحي وعدم القدرة على الاقتراض من المؤسسات الدولية بسبب العقوبات الدولية. كل هذه العوامل تتسبب في فقدان مصرف سورية المركزي للسيولة الدولارية اللازمة لمواجهة التلاعب بسعر صرف الليرة السورية. وبالتالي، يعني التعويم تفاقم انهيار سعر صرف الليرة السورية إلى مستويات لا يمكن للدولة تسييرها.
بالنسبة لحذف الأصفار، يوضح سيروب أنه ليس سياسة اقتصادية، بل هو إجراء فني تقني يتضمن التخلص من العملة القديمة وتدشين عملة جديدة. والنجاح في تنفيذه يعتمد على فعالية السياسات الاقتصادية التي ترافق أو تسبق هذا الإجراء التقني.
كما تشير التجارب الناجحة للدول التي اتخذت هذا الإجراء، على الرغم من صغرها مقارنةً بالتجارب الفاشلة، إلى أن أفضل وقت لتنفيذه هو بداية النمو الاقتصادي بعد معالجة أسباب التضخم مثل زيادة الإنتاج المحلي والصادرات وتحقيق استقرار في سعر الصرف والحد من الاعتماد على المستوردات. ومن دون ذلك، ستزداد مشكلة الأصفار ويعاود التضخم الظهور بقوة.
ونظرًا لعدم بدء تعافي الاقتصاد السوري بعد وجود زيادة مستمرة ومزمنة في الأسعار وعدم استقرار سعر صرف الليرة السورية، إلى جانب زيادة المعروض النقدي نتيجة لسياسة التمويل بالعجز، وضعف الثقة في أي قرار حكومي، فإن قرار حذف الأصفار من الليرة السورية لن يكون فعالًا فحسب، بل سيكون مجازفة خطيرة للاقتصاد وستتفاقم الأوضاع الاقتصادية لتصبح أسوأ.